تسعد الجمعية السعودية للاستزراع المائي ان تضع لمتابعيها هذا التحقيق حول اهمية الاستزراع المائي في المملكة العربية السعودية والذي سيسلط الضوء على ابرز واهم المميزات التي سيقدمها القطاع للاقتصاد الوطني من جميع النواحي سواء كانت اقتصادية او تنموية او اجتماعية .
مقدمة عن الاستزراع المائي في السعودية
رغم التطور الكبير الذي حققه قطاع الاستزراع المائي في المملكة خلال السنوات الاخيرة الا انه لايزال قطاعا ناشئا فيما يتعلق بحجم الانتاج والتوسع وتاثيره على التنمية الاقتصادية للمملكة . حيث بدات الخطوات الاولى بدراسة واقع الثروة السمكية وتقديم المقترحات الخاصة بالبدء بادخال عمليات الاستزراع المائي الى المملكة اوخر السبعينات الميلادية من القرن الماضي وكان ذلك عن طريق هيئة السمك الابيض والتي اجرت اول ابحاث على اختيار الانواع وامكانية اقامة مشاريع استزراع مائي في المملكة .
ثم تلى ذلك اتفاقية وزارة الزراعة ومنظمة الاغذية والزراعة الدولية ( الفاو )لانشاء مركز متخصصة في ابحاث الاستزراع المائي ( مركز ابحاث الثروة السمكية بجدة – مركز المزارع السمكية سابقاً ) يهدف الى توطين التقنية والتدريب الخاصة بالاستزراع ودراسة الانواع المحلية لاقتصادية وتقديم الاستشارات والدعم الفني للمشاريع وقد قدم المركز خلال تلك الفترة خدمات كبيرة للقطاع ويعتبر المركز المنتج والمزود الاساسي لسلالات الاسماك والروبيان المستزرعة مثل الروبيان الابيض واسماك البارموندي .
ازدهر قطاع استزراع الروبيان والذي انطلق بشكل تجاري منتصف التسعينات وتوسع حتى العام 2009م لتصبح المملكة اكبر منتج لللروبيان الابيض في العالم بطاقة انتاجية تجاوزت 20 الف طن في العام .
الا ان قطاع استزراع الاسماك كان محدودا على مايتم انتاجه من مزراع المياه الداخلية وكان انتاج مزراع المياه البحرية قليلا حتى العام 2006 شهد انطلاق مشروع تجاري كبير لانتاج الاسماك بنظام الاقفاص العائمة وبطاقة انتاجية تجاوزت 3000 طن واستمر التوسع في الانتاج انطلاقا من العام 2011م وحققت نتائج كبيرة بالوصول لانتاج تجاوز 10 الف طن من الاسماك في العام من انتاج المزارع البحرية من اسماك البارموندي والدنيس وانواع اخرى مع انطلاق العمل في احد اكبر المشاريع الخاصة بانتاج الاسماك في الاقفاص العائمة على مستوى العالم لصالح المجموعة الوطنية للاستزراع المائي والذي يستهدف طاقة انتاجية تصل الى 100 الف طن في العام عند الانتهاء منه .
الاستراتيجية الوطنية الشاملة لدعم وتطوير قطاع الاستزراع المائي
اطلق كل من صندوق التنمية الزراعية ووزارة الزراعة استراتيجية وطنية شاملة لتطوير وتنمية قطاع الثروة السمكية والتي تسمى المبادرة السابعة لتطوير الثروة السمكية .
والتي يتوقع في حال اقرارها الى تحويل قطاع الاستزراع المائي الى صناعة حقيقية فعالة تساهم في التنمية والتطور الاقتصادي للمملكة وذلك من خلال تحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتجات البحرية والوصول الى طاقة انتاجية تبلغ 1 مليون طن بحلول العام 2029م وتوفير اكثر من 400 الف فرصة عمل للشباب السعوديين من الجنسين .
ماهي المبادرة السابعة لتنمية قطاع الثروة السمكية بالمملكة
هي خطة شاملة اطلقها صنودوق التنمية الزراعية ووزارة الزراعة في العام 2012م وتهدف المبادرة إلى خلق كيان لمناولة وتسويق منتجات قطاع الثروة السمكية، لتخفيض التكاليف، والحد من التنافس في السوق الخارجي، والحفاظ على مستوى عالٍ من الجودة التي تتيحها بيئة المملكة، ومستوى المشاريع، وكذلك تسويق محاصيل الصيادين الناتجة من الصيد، أو مشاريع الاستزراع السمكي الصغيرة التي تم الاتفاق على تبنيها بالتعاون مع وزارة الزراعة .
وسبق للفريق التوجيهي أن أنهى إعداد الخطة الاستراتيجية الخاصة لتفعيل خطة تطوير القطاع والتي نتج عنها التوصية بإنشاء برنامج مستقل يتولى مهمة تفعيل خطة تطوير قطاع الثروة السمكية، وتم الرفع بالنتائج والتوصيات الى الجهة المختصه. حيث تم التركيز في إعداد "خطة تطوير قطاع الثروة السمكية في المملكة" على توفير خطط تنموية لثلاثة من القطاعات الخاصة بالصناعة، وهي قطاع الصيد، وقطاع تربية الأحياء المائية، وقطاع المناولة والتجهيز والتسويق .
إضافة إلى ذلك تم إعداد خطط لتطوير أربعة من القطاعات ذات العلاقة المباشرة بقطاع الثروة السمكية، وهي قطاع الأبحاث والتطوير، وقطاع التنمية البشرية والتدريب، وقطاع الأنظمة والتشريعات، وقطاع التمويل . كما وضعت الخطة العديد من الأهداف الكمية أهمها تحقيق مستوى توطين للوظائف لا يقل عن 75٪ من إجمالي وظائف القطاع، والتي يتوقع أن تزيد عن 400 ألف وظيفة، بالإضافة إلى توفير الحصة الأكبر من المنتجات الغذائية للسوق المحلي والتي يتوقع أن يزيد حجمها عن 650 ألف طن عند نهاية الخطة .وتوصيات المبادرة معروضة على انظار المجلس الإقتصادي الأعلى حالياً .
مساهمات الاستزراع المائي ودورة في الاقتصاد والتنمية
تعتبر الاهمية الاساسية للاستزراع المائي كاحد المجالات الهامة التي ستعمل على توفير الغذاء للعدد المتزايد من السكان في المملكة العربية السعودية وما يرتبط بذلك من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والتنمية المستدامة لبعض المناطق الساحلية النائية في المملكة . وقد شكل الاستزراع المائي قطاع هام في العالم وبدا في النمو يوما بعد يوم مع تقلص حجم الامدادات من المصائد البحرية نتيجة الصيد المستمر ومخاطر انقراض بعض الانواع الاقتصادية الهامة من الاسماك . وكذلك الكوارث الطبيعية التي لحقت بالمصائد البحرية خلال الاعوام الماضية نتيجة ارتفاع دراجات الحرارة ونقص الاكسجين .بالنظر الى حجم الاستهلاك للفرد ( 10 كيلو / عام / للفرد ) في المملكة العربية السعودية من الاغذية البحرية فان كمية الاستهلاك في ارتفاع مستمر ومرشحة للوصول الى المعدل العالمي والتي تصل الى اكثر من 25 كيلو جرام في العام .
ومع الزيادة السكانية المضطردة التي تعيشها المملكة فان عدد السكان يزيد سنويا بقرابة 500 الف نسمة . ما يعني وحسب التوقعات ان الاستهلاك المتوقع من المنتجات البحرية قد يصل الى قابة 650 الف طن / سنويا كما اوضحت الدراسات المتعلقة بالمبادرة السابعة , ومن هنا فان اهمية الاستزراع السمكي للممكة متعددة بعضها مباشر والبعض الاخر غير مباشر .
الأمن الغذائي الوطني
يشكل الغذاء واحد من اهم اسباب التنمية والاستقرار للشعوب وتعتبر المملكة العربية السعودية من الدول التي تقل فيها الموارد المائية وما يلحق بذلك من قلة توفر الغذاء والاعتماد بشكل اساسي على ما يتم استيرادة من منتجات غذائية لاسيما اللحوم والمنتجات السمكية والتي تشكل المصدر الاساسي من مصادر البروتين . ولذلك فان استغلال المناطق الساحلية والشواطيء الكبيرة في المملكة على ساحل البحر الاحمر والخليج العربي و الاستفادة من الدعم الحكومي في استثمارات تسهم في تحقيق الامن الغذائي للمملكة العربية السعودية من اهم اسباب التطور والتنمية والاستقرار .
توفير الاغذية الطازجة وبجودة عالية
باجراء مقارنة ولو محدودة على بعض المنتجات التي تصل عن طريق المصايد المحلية او التي يتم استيرادها من بعض الدول المجاورة فان الموكد ان عمليات النقل التعبيئة واعادة العرض لتلك المنتجات نتيجة طول الفترة التداول والعرض لاتملك نفس مواصفات المنتجات الطازجة القادمة من مشاريع الاستزراع والتي تقدم اسماك طازجة تخضع لعمليات تداول وتعبيئة باعلى معايير الجودة والسلامة الغذائية وهو ما يتم ملاحظتة في الاسماك وحتى الروبيان من تماسك في الانسجة ومحافظة على اللون والشكل , ويدرك المستهلك في منافذ البيع في المملكة توفر انواع من المنتجات المستزرعة الاكثر طزاجة مثل البارموندي والدنيس والروبيان .
تنويع مصادر الدخل
تماشيا مع التوجه القائم في المملكة العربية السعودية وكاحد السياسات التي انتهجتها حكومة المملكة في السنوات الاخيرة الماظية لتنويع مصادر الدخل وضخ مزيد من الاستثمارات في منافذ اقتصادية جديدة في محاولة للتقليل من الاعتماد على البترول والصناعات المرتبطة به والذي يشكل النسبة الاكبر من ايرادات ودخل المملكة , ياتي الاستزراع المائي كاحد هذه الخيارات المهمة في حالة تم تطويرة وتحويلة الى صناعة حقيقة تساهم في التنمية .
المساهمة في التنمية الريفية
تقع معظم مشاريع الاستزراع المائي في مناطق السبخات وهي عادة مناطق نائية وبعيدة عن المدن الكبيرة والنشاط الصناعي والعمراني , ولذلك فان مشاريع الاستزراع المائي تكاد تكون الوسيلة الوحيدة التي تعمل على تنمية وتطوير تلك المناطق وخلق انشطة اقتصادية واجتماعية فيها .
وقد ساهمت بعض مشاريع الاستزراع المائي الحالية في تنمية بعض القرى الصغيرة وخلقت نشاط اقتصادي فيها ووفرة فرص عمل لابنائها . مثال الليث , الحريضة , المويلح.
توطين الوظائف
سوف تسهم مشاريع الاستزراع المائي في توفير فرص عمل لابناء المناطق التي تتواجد بها من الجنسين . وحسب الدراسة التي قدمها صندوق التنمية الزراعية ( المبادرة السابعة ) فان مشاريع الاستزراع المائي قادرة على توفير 400 الف وظيفة للشباب السعوديين من الجنسين .حيث خصصت وظائف مشاريع التصنيع والتجهيز للنساء . وهناك امثلة قائمة لبعضها في مصانع التجهيز في المجموعة الوطنية للاستزراع المائي . ومشروع لاسماك تبوك قيد التنفيذ.
توفيراستهلاك المياه
تتبنى استراتيجية الاستزراع المائي القادمة وبكل قوة المحافظة على استمرارية انتاج مشاريع المياه العذبة ورفع كفاءة الانتاج فيها وفي نفس الوقت الحد من استهلاك المياه العذبة التي تشكل تحدي كبير للمملكة . وذلك من خلال ادخال تقنيات حديثة لتلك المشاريع وتشجيع التحول الى استخدام الانظمة المغلقة واعادة تدوير استخدام المياه . وعمل العديد من مئكرات التعاون المشترك مع بعض الدول المتقدمة في هذا المجال كمملكة هولندا .
النواحي البيئية
بالنظر الى حجم الانتاج من الاستزراع المائي حسب ما تم اقرارة في المبادرة السابعة فان المملكة وبما تملك من مقومات جغرافية وبيئية يمكن ان تنتج قرابة 500 الف طن / سنة من الطحالب البحرية الاقتصادية . ومن المعروف ان لاستزراع الطحالب فوائد اقتصادية وبيئة كبيرة خصوصا ما يتعلق بدورها في التخلص من الملوثات وانتاج الاكسجين وانعكاسات ذلك على التغيرات المناخية وارتفاع الحرارة .
المحافظة على المخزونات الطبيعية
اثبتت الدراسات التي اجريت حديثا وخصوا من خلال متابعة ورصد احصائيات الثروة السمكية التي تصدرها وكالة الثروة السمكية بوزارة الزراعة ان هناك انخفاض كبير في انتاج المصائد الطبيعية في البحر الاحمر والخليج , وهذا الامر لا يقتصر على المملكة بل انه تحدي عالمي يواجه العالم برمته وهناك العديد من الانواع الاقتصادية من الكائنات البحرية مهددة بالانقراض نتيجة الصيد الجائر.
ولذا فان تطور الصناعة والوصول لمستويات انتاج عالية كما تم تقديمة في الدراسة سوف يفي بالغرض وسيقدم منتجات بجودة عالية وسيعطي الجهات الرسمية في الدولة مرونه في اصدار اي قرارات اوتشريعات تعمل على حماية المخزونات الطبيعية والحد من الصيد . كما ان اي تقدم تحققه الصناعة سوف يساعد الدولة في تخصيص مشاريع بحثية تسهم في دراسة الانواع المهددة بالانقراض وتعزيز المخزون من خلال تفريخ واكثار تلك الانواع في مراكز ابحاث ومن ثم اطلاق كميات كبيرة من اليرقات والاصبعيات في مياه البحر كما تفعل دول متقدمة في هذا المجال مثل اليابان . وقد شرعت المملكة مؤخرا ممثلة بوزارة الزراعة الجهة المعنية بالقطاع في انشاء مفرخة اسماك بالتعاون مع ارامكو السعودية على ساحل الخليج العربي من اجل هذا الهدف .
تاثيرات اجتماعية
سوف يلعب الاستزراع المائي دور ايجابي وحيوي في الحد من الهجرة الى المدن الكبيرة للبحث عن فرص العمل وخصوصا من القرى والهجر الساحلية النائية المنتشرة على طول سواحل المملكة .وستعمل هذه المشاريع على توفير فرص عمل وحياة كريمة لابناء تلك المناطق وقد اثبتت بعض التجارب الحالية ان اكثر العاملين اسقرارا في تلك المشاريع هم ابناء المناطق القريبة من مشاريع الاستزراع لقربهم من عوائلهم ومجتمعاتهم . كما تلعب هذه المشاريع دورا بارزا في برامج المسئولية الاجتماعية تجاه المجتمعات المحلية حيث تعمل هذه المشاريع على اقامت العديد من الفعاليات البيئية والترفيهية والتعليمية لسكان تلك المناطق وتقدم مبادرات اجتماعية لسكان المناطق المحيطة . وقد اقامت بعض المشاريع الكبيرة مبادرات وفعاليات اجتماعية عديدة على ارض الواقع حاليا يمكن ان تكون ركيزة يعتمد عليها مستقبلا .
التاثيرات الامنية
يتوقع ان تلعب مشاريع الاستزراع المائي وخصوصا مشاريع الاقفاص العائمة في المستقبل دورا مساندا لقطاع حرس الحدود في مراقبة وحماية الشواطيء والمناطق الساحلية للمملكة حيث تتمركز هذه المشاريع في مواقع داخل البحر في مناطق فضاء غير مأهولة وهي عادة ما تكون الانسب للتسلل والاختراق . وبما ان هذه المشاريع تمتلك انظمة مراقبة وتتبع اجراءات امن وسلامة خاصة بها فانها ستشكل نقاط متابعة ومراقبة لسواحل المملكة يمكن الاعتماد عليها والاستفادة منها في هذا الجانب .
تاثيرات اقتصادية غير مباشرة
لاشك ان ضخ استثمارات كبيرة وبناء مشاريع عديدة على طول سواحل المملكة سوف يسهم في تشكيل حركة اقتصادية مؤثرة في الاقتصاد الوطني . فعند الوصول الى الهدف الذي يسعى القائمين على الاستزراع المائي الى تحقيقة وهو الوصول لانتاج 1 مليون طن من المنتجات السمكية بحلول العام 2029م يرتبط ذلك بحركة اقتصادية كبيرة على صعيد الخدمات اللوجستية لتلك المشاريع من نقل وتصنيع وسلسة تبريد وبنى تحتية واتصالات وتسويق وتامين والخدمات الصحية وخدمات الشحن والاستشارات .... الخ .
وهذا يعني ان هناك عوائد غير مباشرة على الاقتصاد الوطني نتيجة ظهور هذه الصناعة الضخمة والغير مستغلة والتي ستوفر عوائد اقتصادية ووظائف لقطاعات مساندة خلافا لمزارع ومشاريع الاستزراع نفسها.